في نهاية العام 2016 الماضي، أجرت كوريا الشمالية إختبارًا لأسلحة دمار شامل، وها هي في الساعات الماضية تُكرّر التجربة مع إختبار هو السادس تميّز بقوّته التفجيريّة العالية والتي قُدّرت بأنّها أكبر بمقدار ثماني مرّات مُقارنة بقوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في العام 1945(1)، من دون أن تردعها حتى الساعة لا تهديدات ولا عُقوبات، علمًا أنّ تطويرها المُستمرّ لقنبلة هيدروجينيّة بالتزامن مع إستمرار عملها على تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، يُشكّل خطرًا كبيرًا ليس على دول الجوار فحسب إنّما على العالم أجمع. فما الذي سيحصل في ظلّ إصرار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على تحدّي العالم؟.
لا شكّ أنّ الأزمة مع كوريا الشمالية ليست بجديدة، حيث أنّها كانت قد بدأت بأولى تجارب إطلاق الصواريخ البعيدة المدى في العام 1984، وقد إستخدمت "بيونغ يانغ" هذا الملف للحُصول على أموال من المُجتمع الدَولي في مُقابل تجميد برنامج تطوير الصواريخ. وفي العام 2006، إرتفع مُستوى التهديد الكوري الشمالي مع قيامها بأوّل تجربة نوويّة تحت الأرض. وفي السنتين الأخيرتين كثّفت كوريا الشمالية تجارب إطلاق الصواريخ وتجارب تفجير قنابل شديدة الإنفجار في آن واحد. وقد أخذت الصين على عاتقها مسألة لجم هذه التجارب، حرصًا على الإستقرار والأمن في آسيا والعالم، لكنّها فشلت في إقناع قيادة "بيونغ يانغ" بذلك. وبحسب خلاصة تحاليل مجموعة من الخُبراء الغربيّين، فإنّ ما سيحصل في المرحلة التالية يُختصر بالتالي:
أوّلاً: يبدو أنّ كوريا الشمالية صارت جاهزة، أو على الأقلّ على بُعد خطوات قليلة جدًا، من أن تتحوّل إلى دولة نوويّة، باعتبار أنّ باكستان مثلاً أجرت ستة إختبارات تفجير صغيرة قبل أن تتحوّل إلى دولة بقُدرات نوويّة.
ثانيًا: الإدانات الإقليميّة والدَولية شبه الشاملة لتصرّفات كوريا الشمالية ستترجم سريعًا عبر تشديد كبير للعُقوبات المفروضة على هذه الدولة، بحيث يُنتظر أن تغرق كوريا الشمالية قريبًا في عزلة دَولية قاسية جدًا ستُوثّر سلبًا على شعبها الذي يُعاني حاليًا من أزمات إقتصاديّة وحياتيّة كبيرة.
ثالثا: ستقوم الولايات المتحدة الأميركيّة بالتنسيق مع كوريا الجنوبيّة، بنشر المزيد من الوحدات العسكريّة والدفاعات الصاروخيّة وغيرها، في الجزء المُتحالف معها من شبه الجزيرة الكورية، في إطار خطة أميركية أوسع تقتضي بتعزيز حُضورها الأمني في القارة الآسيويّة.
رابعًا: ستستغلّ الولايات المُتحدة الأميركيّة تهوّر القيادة الشُموليّة في كوريا الشمالية لتعزيز تعاونها مع العديد من الحُلفاء في المنطقة، ولإحراج الخُصوم وفي طليعتهم روسيا والصين، علمًا أنّ واشنطن لا تُمانع على الإطلاق بجعل المنطقة الآسيويّة غارقة بمشاكل محلّية تؤثّر سلبًا على نموّها الإقتصادي الذي يُمثّل مُنافسًا كبيرًا وخطيرًا لاقتصاد العديد من الدول الغربية، ومن بينها أميركا.
خامسًا: التحرّك العسكري ضُدّ كوريا الشمالية لا يُمكن أن يحصل بقرار أميركي مُتفرّد، خاصة وأنّ إرتداداته السلبيّة لا يُمكن إلا أن تصيب العديد من الدول المُحيطة وحتى البعيدة، مع الإشارة إلى أنّ أغلبيّة الترجيحات تضع كوريا الجنوبية في طليعة الدول التي ستتلقّى أقصى الضربات والخسائر من أي مُواجهة عسكريّة مُحتملة مع كوريا الشمالية. ولأنّ التقديرات بشأن الخسائر البشريّة لأي حرب مُحتملة، مُخيفة، إضافة إلى الإرتدادات الإقتصاديّة والمالية الهائلة على آسيا والعالم أجمع، فإنّ المُواجهة العسكرية لن تقع طالما يُوجد ما نسبته 1 % من الآمال لحلّ الأزمة بأسلوب آخر.
في الختام، قد لا يكون لبنان مَعنيًا بالأزمة المُتفاقمة في كوريا الشماليّة سوى بعودة مُنتخبه لكرة القدم الموجود في "بيونغ يانغ" حاليًا في إطار تصفيات كأس آسيا "الإمارات 2019" سالمًا وحتى فائزًا، لكنّ العالم معني بما هو أعمق من ذلك، لجهة الحفاظ على الأمن والإستقرار الدَوليّين، حيث يُنتظر أن تتوالى العُقوبات الدوليّة الجديدة على كوريا الشمالية التي ستزداد عزلتها العالميّة شدّة. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركيّة فهي تبقى المُستفيدة الأكبر على الرغم من أنّ التهديدات الكورية الشمالية تطالها بالدرجة الأولى، والسبب أنّ واشنطن بحاجة إلى أعداء دائمين على غرار "بيونغ يانغ" في أكثر من مكان في العالم، وهي ترغب بشدّة بجعل خُصومها في آسيا يتلهّون بمشاكل إقليميّة صعبة لإرباكهم وللمُساومة سياسيًا وإقتصاديًا معهم على ورقة "بيونغ يانغ".
(1) يُمكن بسُهولة تمييز الإهتزازات الناجمة من نشاط زلزال طبيعي في الأرض وتلك الناجمة من تفجير قنبلة نوويّة لسببين أساسيّين: الأوّل أنّ الإهتزازات التي تُسجّلها أجهزة الرصد للهزّات الأرضيّة الطبيعيّة تبدأ خفيفة ثم تشتدّ، بينما الإهتزازات التي تنجم من تفجير قنبلة شديدة الإنفجار تحت الأرض تتسبّب بإهتزاز قويّ جدًا في البداية لتبدأ بعد ذلك قوّة الإهتزازات بالتراجع والتقلّص تدريجًا. أمّا السبب الثاني فيتمثّل بأنّ الإهتزازات الناتجة من هزّة أرضيّة تحدث على عمق أدنى بكثير مُقارنة بتلك التي تحدث بسبب تجربة تفجير قنبلة تحت سطح الأرض.